الفصل الخامس :
فلينظر الإنسان إلى طعامه
س: لماذا أمرنا الله أن ننظر وتتفكر في طعامنا في قوله تعالى :
﴿فَلْيَنْظُرْ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ﴾[عبس:24] .
ج: لقد أمرنا الله سبحانه بأن نتفكر في كل شيء وفي هذه الآية أمرنا أن ننظر ونتفكر في طعامنا ؛ لأن طعامنا من خلقه سبحانه ، وكما بينا سابقاً أن في المخلوقات علامات وآيات تعرفنا ببعض صفات ربنا سبحانه .
س : وما هي صفات ربنا التي نعرفها من التفكير في طعامنا؟
ج: نستطيع أن نعرف كثيراً من صفات ربنا .
منها أنه سبحانه الرزاق ، العليم الخبير ، الحكيم ، الرحيم ، الكريم، الهادي، المحيي ، المصور .
س : وكيف نعرف أن الله هو الرزاق؟
ج : إن الله هو الذي يرزق الإنسان وهو في بطن أمه ، فلا الأم ولا الأب ولا الحكومة ولا الشعب ولا أحد يستطيع أن يرزق الجنين وهو في بطن أمه ، ولكن الله الرزاق هو الذي مد أنبوبة (حبل السرة) من بطن الجنين إلى رحم أمه وساق له الغذاء مدة تسعة أشهر حتى خرج من بطن أمه .
ولما خرج من بطن أمه وقص حبل السرة ، ختم الله على الفتحة التي كان الطعام يصل منها إليه (السرة) وفتح له طريقاً جديداً (الفم والمريء والمعدة والأمعاء) .
فهل أمك هي التي ختمت فتحة السرة ، وفتحت لك الفم وأنشأت لك الجهاز الهضمي؟ وهل أسهم أبوك في شيء من ذلك؟ وهل اشتركت الحكومة أو الشعب في صنع عرق أو قطرة دم؟!!
وهل قامت الجبال والأشجار والنجوم والكواكب أو أي جزء من أجزاء الطبيعة بتنظيم أمر رزقك وطعامك؟
وبعد أن خرجت من بطن أمك طفلاً صغيراً لا تستطيع أن تأكل الحبوب والثمار، أو اللحم والخبز ، وغذاؤك الذي كان يأتيك إلى بطن أمك قد انقطع بقطع حبل السرة، فهل يتركك الرزاق بدون رزق؟
كلا . لقد لفتح لك مصدراً جديداً لطعامك من ثدي أمك ، الذي كان فارغاً من اللبن قبل ولادتك ، وألهمك الرزاق أن تمص الثدي لإخراج ما فيه من اللبن ، وأنت في تلك الحالة لا تعلم شيئاً؟!
فهل علمت الطبيعة الجامدة التي لا علم لها أنك قد خرجت من بطن أمك وأن غذاءك قد انقطع فكونت لك الغذاء من ثدي أمك؟!
كيف والطبيعة صماء بكماء لا علم لها ولا حكمة؟!
وهل أسهم أحد من المخلوقين في تكوين غذائك من ثدي أمك؟!
إن أمك التي تتغذى من ثديها لم تفعل ذلك اللبن وإنما هي مسخرة لك بأمر ربك وربها.
ولكن إلى متى تستمر في الاعتماد على أمك؟
سيأتي لك أخوة آخرون يريدون ثدي أمك..
وستحتاج أن تبتعد عن أمك وتستقل بنفسك..
إذن لا بد من مصدر جديد.
· إن الذي رزقك في جوف الرحم.
· والذي رزقك طفلاً صغيراً من ثدي أمك.
وقد أعد لك الرزق في كل مكان تذهب إليه على هذه الأرض فأوجد التربة الصالحة للزراعة.
وأوجد الماء الذي يحتاجه النبات لصناعة الطعام لك وللناس جميعاً .
وأوجد الهواء الذي يحتاجه النبات لصناعة الطعام لك وللناس جميعاً .
وأوجد الشمس التي يحتاج إليها النبات في صناعة الطعام .
وأوجد النبات بكميات كبيرة لصناعة طعامك وغذائك .
وأخرج لك الثمار .
وما كان منها صغيراً جمعه لك في سنابل كالقمح والشعير أو في عناقيد كالعنب .
وما كان كبيراً أو متوسطاً جعله مفرقاً كالتفاح والبطيخ والبرتقال والجزر.
ثم جعل لك (ورشة) الأسنان القاطعة والممزقة والطاحنة والخلاطة (اللسان) واللعاب المبلل ليسهل لك الأكل من هذه الأشجار وثمارها .
وهكذا بالتفكير في مخلوقات الله نعرف أن الله هو الرزاق سبحانه .
س : وكيف تعرف نعرف باقي الصفات التي ذكرتها سابقاً .
ج : نعرف أن الله هو العليم .
لأن الذي أوصل لك الغذاء وأنت في بطن أمك قد علم أنك بحاجة إلى الغذاء فساقه إليك ، وكون حبل السرة ، ولما خرجت من بطن أمك علم بخروجك فساق لك الغذاء من ثدي أمك ، وعلم بأن الماء في التربة فخلق له الجذور وما فيها ما من ماصات جذرية للماء والأملاح ، وعلم بحاجة اليخضور في الأوراق إلى ضوء الشمس فجعل الأوراق معرضة لضوء الشمس ، وعلم بحاجة النبات إلى الماء فساق إليه الماء . فلا شك أن الله هو الرزاق العليم سبحانه .
س : وكيف نعرف أن الله هو الحكيم؟
ج : إذا شاهدت الإحكام بين حبل السرة وجسم الطفل ينمو بنموه ويرتبط به وبرحم الأم في غاية الإتقان ، وإذا رأيت الإحكام في تركيب لبن الأم الذي يتناسب مع نمو الطفل ، وإذا رأيت الإحكام في تركيب أجزاء النبات ، وفي إخراج الثمر وتخزينها ، شهد لك كل ذلك الإحكام أنه من صنع الرزاق العليم الحكيم.
س : وكيف نعرف أن الله هو الخبير؟
ج : إن نقل غذاء الأم المهضوم بين الدماء إلى جسم الجنين عن طريق حبل السرة لا يتم إلا بخبرة خبير .
ألا ترى أن نقل محتويات إبرة إلى الوريد يحتاج إلى خبرة وحكمة؟ فكيف بنقل مستمر طوال تسعة أشهر للغذاء من جسم الأم إلى جسم الجنين؟
وكذلك استخراج اللبن من الغذاء الذي تأكله الأم لا يكون إلا بخبرة خبير.
وتكون الحبوب والثمار المختلفة الأشكال والألوان والطعوم مع أنها جميعاً قد تكون من تراب واحد وسقيت بماء واحد وتنفست أشجارها هواء واحداً ، وتحركت مصانعها بطاقة شمس واحدة .
ألا إن كل ذلك يشهد أنه من صنع الخبير الرزاق العليم الحكيم .
س : وكيف نعرف أن الله هو الرحيم؟
ج : إذا عرفت عجز الجنين في بطن أمه عن تدبير رزقه، وعرفت عجز الرضيع عن رزق نفسه، وعجز الإنسان عن صنع الحبوب والثمار ، وتكوين المطر، وصنع الهواء.
إذا عرفت ذلك ، وعرفت كيف أنقذ الله عبده بصنع ما يحتاج إليه من غذاء في الرحم والثدي والنباتات ، شهد لك ذلك كله أنه من صنع الرزاق الحكيم العليم الخبير الرحيم .
س : وكيف نعرف أن الله هو الكريم؟
ج : إن الإنسان إذا تولى النفقة على عشرة أشخاص بدون مقابل سماه الناس كريماً، فما بالك بمن تكفل بأرزاق البشر أجمعين وتكفل بأرزاق كل الكائنات الحية.
إن ذلك كله يشهد أنه من صنع الكريم سبحانه:﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾[هود:6] .
س: وكيف نعرف أن الله هو الهادي؟
ج : إذا رأيت الثدي بعد الولادة قد امتلأ باللبن فمن الذي هداه إلى ذلك؟ ومن الذي هدى الطفل أن يمتص ذلك الثدي إذا امتلأ لبناً؟!
لا شك أن ذلك يشهد أنه من صنع الهادي .
وإذا رأيت البذرة تنفلق في التربة فتتجه أغصانها إلى أعلى الأوراق وتتجه جذورها إلى أسفل حتى ولو كانت الحبة مقلوبة ، إن ذلك يشهد أنه من صنع الهادي سبحانه.
وهذه الأوراق التي ترتب في كل شجرة بنظام محكم بحيث تتعرض جميعاً للشمس ولا تغطي إحداها الأخرى .
فمن الذي يهدي كل ورقة إلى مكانها الصحيح؟
إنه بدون شك الهادي الرزاق الحكيم العليم الخبير الرحيم الكريم سبحانه .﴿سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى﴾[الأعلى:1-3]
س : وكيف نعرف أن الله هو المحي؟
ج : إن التراب والماء والهواء والضوء كلها مواد ميتة لا تنمو ولا تتحرك ولا تتفس، ولا تتزاوج ولا تتغذى ، فإذا رأينا أن الخالق يكون من هذه المواد الميتة نباتات وأشجاراً تنمو، وتتنفس ، وتتحرك ، وتتغذى ، وتتزاوج فتنتج الثمار والحبوب، عرفنا أن الخالق قد جعل من المواد الميتة أشجاراً ونباتات حية نعلم أنه المحي سبحانه وأنه الرزاق الحكيم العليم الخبير الرحيم الكريم الهادي جل وعلا .
س : وكيف نعرف أن الله هو المصور؟
ج : إذا رأيت قطعة من الطين قد تحولت إلى صورة شجرة مثمرة فأنت تجزم بأن تلك الصورة لا تكون إلا أن من صنع مصور .
فإذا رأينا التراب وقد أحياه الله فجعله نباتات مختلفة الأشكال والألوان والثمار، لكل شجرة رسم خاص في أوراقها وعروقها وأغصانها وأزهارها وثمارها، فمن جعل التراب والماء والهواء وضوء الشمس حدائق ذات بهجة ، في أجمل صورة؟!
إن ذلك كله يشهد أنه من صنع المصور سبحانه وتعالى.
وهكذا بالتفكير في خلق الله، وبالتأمل في طعامنا عرفنا بعض صفات ربنا:
فشهد لنا تدبير الرزق أنه من صنع الرزاق.
وشهد لنا الإحكام في الخلق أنه من صنع الحكيم.
وشهدت لنا الخبرة في الصنع أنها من صنع الخبير .
وشهد لنا العلم الذي ركب به الخلق أنه من صنع العليم.
وشهدت لنا الرحمة المشاهدة بما خلق الله أنها من صنع الرحيم.
وشهد لنا الكرم الفائض أنه من صنع الكريم.
وشهدت لنا الهداية المقدرة الموجهة أنها من صنع الهادي.
وشهدت لنا الحياة المتنوعة أنها من صنع المحيي .
وشهدت لنا الصور المتقنة أنها من صنع المصور البديع سبحانه.
س: وما فائدة معرفتنا ببعض صفات الله؟
ج: إذا عرفنا الصفات الموصوفة ، فإذا عرفنا أن الذي خلق الطعام هو الرزاق، الحكيم ، الخبير، العليم، الرحيم ، الكريم ، الهادي ، المحيي ، المصور.
عندئذ نجزم بأن الله سبحانه هو صاحب هذه الصفات.
لأن الطبيعة التي يزعم الكافرون أنها خلقت النباتات وغيرها لا تتصف بهذه الصفات.
فلا تدبير للطبيعة حتى نقول : إنها التي دبرت الأرزاق ولا إرادة لها .
ولا حكمة للطبيعة.
ولا خبرة للطبيعة .
ولا علم للطبيعة .
ولا رحمة للطبيعة.
ولا كرم للطبيعة لأنه لا أخلاق لها .
ولا هداية للطبيعة .
ولا حياة للطبيعة تمكنها أن تهب الحياة لغيرها.
ولا تصوير للطبيعة حتى نتوهم أنها التي أبدعت هذه الصور الجميلة.
وما قيل في الطبيعة يقال في كل وثن أو صنم تعلق الناس به قديماً أو حديثاً فنعرف ونجزم أن الله هو الرزاق ، الذي أوجد لنا الآيات الدالة عليه في مخلوقاته سبحانه، وقال لنا في كتابه:﴿فَلْيَنْظُرْ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا وَعِنَبًا وَقَضْبًا وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا وَحَدَائِقَ غُلْبًا وَفَاكِهَةً وَأَبًّا مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ﴾[عبس: 24-32]
الخلاصة
· أمرنا الله بالتفكر في طعامنا لأنه جعل في كل ما خلق علامات تعرفنا ببعض صفاته.
· وإذا تأملنا كيف ساق الله الرزق للإنسان وهو في بطن أمه، ثم كيف ساقه له من ثدي أمه، ثم كيف ساقه له من نباتات الأرض، عرفنا أن الله هو الرزاق سبحانه.
· ونعرف أن الله هو العليم لأنه علم بحاجتك إلى الرزق وأنت في رحم الأم فساقه إليك ، وعلم بخروجك من بطن أمك فساق لك الغذاء من ثديها، وعلم بوجود الماء في التربة فجعل في النباتات جذوراً وماصات جذرية، وعلم بحاجة الأوراق واليخضور ـ الذي فيه ـ إلى ضوء الشمس فجعل الأوراق تنمو في اتجاه ضوء الشمس.
· ونعرف أن الله هو الحكيم عندما نشاهد الإحكام المتقن في صنع حبل السرة، وعندما رأينا الإحكام في مناسبة لبن أمك أثناء نموك، وعندما نرى الأحكام في كل جزء في النباتات.
· ونعرف أن الله هو الخبير عندما نرى الخبرة في نقل الغذاء إليك من أمك وأنت في رحمها وعندما نرى استخراج اللبن من الطعام الذي تأكله الأم، وعندما نفكر في تكوين الثمار المختلفة من تراب واحد وماء وهواء واحد وشمس واحدة.
· ونعرف أن الله هو الرحيم عندما نعرف أننا بدون رزق منه نموت فرحمنا وساق لنا الأرزاق برحمته وفضله.
· ونعرف أنه كريم سبحانه عندما نرى رزقه غمر كل مخلوق.
· ونعرف أنه الهادي عندما نرى التوجيه السديد للثدي الذي امتلأ بعد خروج الجنين من بطن أمه، وعندما نرى الإلهام للطفل لمص ثدي أمه وهو لا يعلم شيئاً ، وعندما نرى التوجيه المقدر في نمو البذور وفي نمو الأرزاق.
· ونعرف أنه المحيي عندما نشاهد الحياة تدب في المواد الميتة.
· ونعرف أنه المصور عندما نرى الصور الجميلة المختلفة تتكون من تراب وماء وهواء .
· وإذا عرفنا أن الذي خلق الطعام هو الرزاق ، العليم ، الحكيم ، الخبير ، الرحيم، الكريم، الهادي ، المحيي ، المصور سبحانه ، عرفنا أنه الله لأن الطبيعة أو الأوثان بكل صورها لا تتصف بهذه الصفات.
--------------------------------------------------------------------------------
الفصل السادس
السيول الطائرة
السحاب سيل طائر:
س : ما هو السحاب؟
ج : السحاب ماء يطير في الهواء فإذا كان كثيراً تكونت منه السيول العظيمة، التي تسقط إلى الأرض مكونة مياه الآبار ، والأنهار (والغيول) والعيون والمياه الجوفية، التي نشرب منها ، ونسقي زرعنا وأنعامنا . قال تعالى:
﴿أَلَمْ تَرَى أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ﴾[الزمر: 21] .
س: كيف يتكون السحاب؟
ج : يرسل الله حرارة الشمس فتتبخر مياه البحار فيصعد إلى السماء ماء عذب، لا ملوحة فيه ، ولكن هذا البخار لا يستمر في صعوده ليصب في القمر أو المريخ، فليس المقصود أن يصب هناك ، إنما المراد أن يصب غيثاً لعباد الله في أوساط القارات، وشتى أجزائها ، فالحاجة ماسة له هناك . فقدر الله نظاماً يسير به ماء البحر غيثاً لخلقه.
س : وما هو هذا النظام (السنة الإلهية)؟
ج : 1 ـ لقد جعل الله حرارة الشمس والرياح سبباً في رفع بحار الماء من البحر إلى فوق مستوى الجبال (في الغالب).
وذلك لكي لا تعوق الجبال انتقال الماء من فوق البحر إلى أواسط القارات. ورفع الله ماء البحر (بخاراً) ولم يرفع معه الملح الذي يختلط بما البحر لكي لا يضر ذلك الملح الإنسان والنبات والحيوان .
قال تعالى :﴿أَفَرَأَيْتُمْ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنْتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنْ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ﴾[الواقعة:68-70]
2 ـ لقد جعل الله الرياح وحرارة الشمس سبباً في رفع الماء من البحر إلى فوق مستوى الجبال كما قال تعالى :
﴿حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ﴾[الأعراف: 75] .
وأقلت : أي حملت ورفعت.
وجعل الله البرودة في الجو ـ التي تزداد بالارتفاع من مستوى سطح البحر إلى ارتفاع 8 أميال ـ سبباً في إيقاف ارتفاع الماء إلى أعماق السماء.
س : ولماذا تزداد البرودة بالارتفاع إلى أعلى؟
ج : إذا ارتفعنا إلى أعلى قربنا نسبياً من الشمس وكان المفروض أن تزداد درجة الحرارة كما هو الحال في طبقات الجو العليا.
ولكن الله جعل الأمر عكسياً كلما ارتفعنا انخفضت درجة الحرارة إلى مسافة ثمانية أميال بدلاً من زيادتها . وذلك لكي يسكن الماء الذي خرج من البحر في جو الأرض ولا يستمر تصاعده حتى يتبدد في أعماق السماء.
قال تعالى :﴿وَأَنزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ﴾[المؤمنون : 18]
س : وما هي سنة (تجميع بخار الماء)؟
ج : إن بخار الماء خفيف لا يرى، فيتصاعد إلى أعلى ، فيرسل الله الرياح محملة بذرات (الدخان، والأتربة، وحبوب اللقاح) فتتلقح جزئيات بخار الماء بها ، فتستثيرها ، فيتجمع بخار الماء حول تلك الجزئيات الملحقة مكوناً أغلفة مائية، حتى تصل إلى حجم كبير نشاهده سحاباً عندئذ قد أخذ يثقل بتجمع أجزائه فيساعد ذلك على عدم مغادرة بخار الماء الغلاف الأرض.﴿اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ﴾[الروم:48]
س: وهل هناك سنن أو قوانين أخرى سنها الله للمشاركة في تنظيم سير المطر؟
ج : نعم السنتان الإلهيتان السابقتان : (سنة رفع الماء عذباً من البحار فوق مستوى الجبال ، وسنة وقف ارتفاعه بالتكثيف والتلقيح بالرياح لتثقل) عملتا على رفع ماء عذب إلى فوق مستوى الجبال فقط.
3 ـ وهناك سنة ثالثة وهي : نقل هذا الماء من فوق البحار إلى أعماق القارات، وذلك بواسطة الرياح التي تسوق السحب دون أن تتقاضى من الناس ثمناً أو أجراً ، لأنها مسخرة لهم بأمر ربهم.
قال تعالى :﴿وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾[الأعراف : 57] .
وانظر إلى الحكمة في تقدير الرياح ، بحيث كان قدرها وسرعتها مناسبين جداً لاستثارة السحب وثقلها ، لا لتكون مدمرة مخربة ، ولقد أعطانا الله عبرة ببعض العواطف والأعاصير المدمرة التي تبلغ سرعتها (75ميلاً) في الساعة ، أما لو بلغت سرعة سير الرياح (200ميل) في الساعة لما أبقت شيئاً على الأرض إلا دمرته . ولتعلم بآثار رحمة الله عليك، فاعلم أن هذه الرياح موجودة في الأرض فوق رأسك ما بينك وبينها إلا خمسة أميال فقط حيث يوجد التيار النفاث في الرياح التي تسير بسرعة (200 ميل) في الساعة على ارتفاع (5 أميال) فوق سطح البحر ولو نزلت هذه الرياح مسافة بضعة أميال لاختل نظام الحياة بعد أن يختل النظام الذي يسير عليه المطر، ولتعرض كل ما في الأرض للدمار وتشغل هذه الرياح المدمرة : (التيار النفاث) منطقة ارتفاعها ثلاثة أميال وبعدها تأتي منطقة لا رياح فيها فلو كانت المنطقة رقم (3) بدلاً من المنطقة رقم (1) لما تحرك ماء إلى داخل القارات ، ولمات الناس والأنعام عطشاً ، فانظر إلى التصميم الحكيم في هذه الأرض .
4 ـ وهناك سنة إلهية تعمل على إنزال المطر قطرات صغيرة، لا سيولاً متدفقة تدمر كل شيء.
5 ـ وهناك سنة إلهية أخرى تجري الماء أنهاراً (وغيولاً) تنتشر في الأرض، كانتشار عروق الدماء في جسم الإنسان.
6 ـ وهناك سنة إلهية تعمل على امتصاص أغلب الماء؛ لتحفظه من التعفن، ولتصبح الأرض صالحة للسير بدون عائق من الماء.
7 ـ وهناك أيضاً سنة إلهية تعمل على حفظ الماء قريباً من سطح الأرض ، فينتفع به الناس في شكل عيون وآبار ، بواسطة صحن إلهي من الحجر يحفظ لنا المياه الجوفية حتى لا تغور في أعماق الأرض.
قال تعالى :﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ﴾[الملك :30] .
إذن
· هناك تصميم حكيم في هذه الأرض يعمل تحت أمر خالقه بإتقان ونظام .
· هناك قوانين (وسنن) ثابتة ، مقدرة ، متقنة ، تعمل على تكوين ماء المطر ورفعه من البحار إلى فوق مستوى الجبال بعد تخليصه من الأملاح، ثم نقله إلى المخلوقات المحتاجة إليه في أواسط القارات وإنزاله نطفاً دقيقة نافعة غير ضارة، وتسييره أنهاراً نافعة وامتصاصه لكي لا يعوق سير الحباة ، ولكي لا يبعث العفونة ، ولكي يحفظه قريباً من سطح الأرض بصحن صخري .
مجيب الدعاء:
اسأل العارفين برحمة ربك سميع الدعاء ، اسألهم عن إجابته سبحانه دعوة المضطرين وإغاثته للملهوفين.
اسأل كم أصيبت أراض بالجفاف وانعدام المطر، فخرج المسلمون ـ كما علمهم رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ يدعون ربهم مستغيثين ، وما صدق قوم في دعاء ربهم إلا أجاب الله دعاءهم وأغاثهم بالمطر، وبهذا يشهد مئات الملايين من المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.
ذلك هو التطبيق العملي الذي نعرف به أن خالق المطر هو السميع مجيب الدعاء.
قال تعالى :﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾[البقرة:186] .
نقاش
· من صاحب التركيب الحكيم في تصميم الأرض.
· من الذي قضى بهذه السنن والقوانين المنظمة الدقيقة المحكمة؟
· من الذي سمع دعاء المستغيثين فأجاب دعاءهم وأنشأت السحاب وأنزل المطر:
· وثن لا يقدر على فعل شيء ولا يعقل أمراً؟
· طبيعة عمياء صمياء بكماء لا تملك إرادة أو تدبيراً؟
· أم أن العدم هو الذي أنشأ ، وصمم ، وأوجد ، وكون , وقدر ، وأتقن ، وسمع ، وأجاب ، وهو العدم الذي لا وجود له. فكيف ينتج الموجود من معدوم؟!
· أم أن ذلك كله شاهد يتحدث إلى العقول البشرية أن له رباً حكيماً، قادراً، خبيراً ، سميعاً ، مجيباً ، رازقاً ، مقيتاً ، مغيثاً لعباده؟! إن هذه السنن المحكمة، المقدرة ، التي تنظم تكوين الأمطار وسيرها ، تتحدث إلى العقول بقدرة ربها ، وصفات خالقها ، ووجود منشئها ، فلولاه ما كان شيء مما تشاهد الأبصار من نظام وإتقان وتدبير وإحكام.
خلاصة شعرية
كن يا أخي إلى السحاب ناظراً
أرسله لنا الإله رحمة
فسلط الشمس على البحار
ورفع مائه إلى السماء
وحاطه ببارد الهواء
ولو أراد أوجد الحرارة
وساق نحوه الرياح نشراً
فلا الجبال تستطيع رد ذا
وساق أخرى مثلها الخلاق
ولو جرى من السماء سائلاً
هذا إذا أنزل سيلاً في البلد
أنزله رفقاً بنا .. قطاراً
وبعضه يمتصه هذا الثرى
لكن بقدر لا إلى الأعماق
وفوق صحن كائن من الحجر
فيا ترى أذلك التدبير
من وثن أصم أو طبيعة
أم أنه لا ريب حقاً شاهد
وكم أصاب المسلمين من جفاف
وطلبوا من الإله الفرجا
فهل طبيعة أجابت أم وثن؟!
كيف غدا سيلاً يسير طائراً
فهل شكرت للإله النعمة
فبعث ما فيها من البخار
فوق الجبال هذه الشماء
لوقف رفعه إلى السماء
فلا ننال عندها قطاره
تثيره بعد سحاباً معصرا
إن شاء من ورائها أن ينفذا
بقدر منه له تستاق
لأمر الناس الفناء العاجلا
فكيف لو صب جبالاً من برد؟
وبعضه سخره أنهاراً
كي لا يكون عائقاً سير الورى
يكف عنه الغور في الطباق
خزنه لليسر في نفع البشر
تدبيره من ليس له تفكير؟!
جامدة لربها مطيعة؟!
بأن مولاه الإله الواحد
فنفروا ثقالهم مع الخفاف
فحققوا الفوز ونالوا المخرجا
أم أنه السميع كشاف المحن
الخلاصة
· الله خالق الأرض وما فيها بتصميم حكيم.
· الله الذي سخر الشمس وحرارتها لرفع الماء العذب فوق مستوى الجبال.
· الله الذي أرسل الرياح ، وأنشأ السحب وأنزل الأمطار .
· الله الذي أجرى الأنهار (الغيول) وفجر العيون وخزن المياه الجوفية وحفظها من الضياع في أعماق الأرض بصحن صخري .
· الله الذي خلق الإنسان والحيوان والنبات وتكفل بالغذاء والمشرب فوفر لهم أسبابها .
· الله هو السميع مجيب الدعاء كاشف الضر مغيث الملهوف.
· إن الأوثان العاجزة والطبيعة البليدة الصماء البكماء لا تقدر على صنع أو تدبير أو سمع أو إجابة .
عن الويب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق